حسن بخيت يكتب من سلطنة عمان
كانت القاهرة هى أول رحلة لى فور تخرجى من الجامعة باحدى محافظات الصعيد ، تمتعت بجمال مختلف عما رأيته في مطلع الشباب في مدينتي ( مدينة طهطا ) فى صعيد مصر .. لكني اعترف اليوم اني حين زرت القاهرة كنت ابكي داخل القطار المتجه الي القاهرة ، لم اكن اصدق اني سأرى مدينة المعز ،سأمشى فى شوارع العظماء والصفوة .. المهم اني تمكنت من زيارة القاهرة الكبرى ، وانا اضع بين اغراضي المحمولة تسجيلا لأغنية ”مصر يا أم الدنيا ”. شاهدت معظم الأماكن الراقية بالقاهرة ، والأهرامات ، وحديقة الحيوانات ، وركبت ( متروا الأنفاق ) ، والأوبرا ….. الخ
لكني اليوم اضع زيارتي لسلطنة عمان وهي التي تحتفل بعيدها الوطني المجيد المشرق ال 46 ، عيد نهضتها التي اشارك فيها هذا الشعب الطيب صاحب الخلق والأدب ، الشعب المكافح والمقبل على الحياة بكل ابعادها.
عندما تعاقدت مع “” وزارة التربية والتعليم “” للعمل بوظيفة ( معلم ) حسبت الف حساب لمسألة التفاهم مع غير المصرى ، ربما لأنها كانت المرة الأولي والتى أترك فيها الوطن، ونتيجة لاختلاف اللهجات والعادات والتقاليد ، وكنت لا أعرف كثيرا عن سلطنة عمان ، قلت مع نفسي، هنالك اللغة العربية التي تجمعنا نحن العرب، فلا خوف من التفاهم مع الناس .
. كنت قرأت عن السلطنة بما تيسر، ولكن المشاهدة قد لا تعكس مايقرأه المرء احيانا، اذ تبدو الاشياء على طبيعتها، وزيارة الاماكن الاساسية قد تعطي الانطباع المؤكد او ترفد معلومات تسنى الحصول عليها.
كانت اول ترجمة لزيارتي هي الطائرة العمانية فى مطار القاهرة الدولى التي استمتعت فيها بحسن الضيافة والمعاملة ، ومن عادات السفر ان المرء يكون مضطربا فلا يمكنه تفحص ما يدور حوله ….. .. في مطار السيب بمسقط كان ينتظرني مندوب وزارة التربية والتعليم ، كان الجو ليلا ومسقط مبهرة في الليل، هنالك كم من الاضاءة في شوارعها تحولها الى نهار. اول ما لفت نظري ذلك المسجد الضخم الذى شاهدته ونحن نسير بالسيارة فى طريقنا للاستراحة ، فسألت المندوب العمانى والذى كان بصحبتنا ، سألته عن هذا المسجد ، فأخبرني بأنه جامع السلطان قابوس الأكبر..
اعترف اني شاهدت شوارع فسيحة ونظيفة ، وكنت في تلك اللحظات بحاجة الى زيارة كل العاصمة العمانية، لكن الوقت ضيق ، وكنت فد وزعت للعمل فى محافظة ظفار، ولم أمكث فى مسقط سوى أربعة أيام فقط ، بعد التمتع بحسن جمالها ومعالمها وجبالها ، وتوجهت الى محافظة ظفار لتبدأ رحلة الاقامة والاستقرار ، كان ذلك بمثابة فرصة تاريخية لا تعوض .. كانت فترة غنية المعنى، وكان من واجبي ان اكتشف عمان على حقيقتها، فلدينا متسع من الوقت .
كانت اول طلة علي خارج العاصمة : حين حملني التوزيع للعمل الى ابعد من مدينة صلالة الجميلة الرائعة موقعا وتاريخا، الى قرية جبلية وساحلية ( ولاية ضلكوت ) .. وبدأت الرحلة بجمالها ومقصدها، الا انني انبهرت بالجمال الطبيعي للتضاريس التي واجهتنا فيها . لشبكة الطرقات المدروسة التي كم كان صعبا شق الجبال الهائلة لتمريرها وكم هي التكاليف الباهظة لتحقيق مشاريع كهذه .. وقد عرفت لاحقا او رأيت بنفسي مشاهد مشابهة وكل المشاهد العمانية متشابهة تقريبا في حفر الجبال من اجل ربط الوطن ببعضه تحقيقا لتلك الاخوة العمانية. واذكر اني قطعت الطريق بين مدينة صلالة وولاية ضلكوت ، فلم ارى في حياتي مشاهد جمالية صنعتها الطبيعة كما رأيت، اكاد احيانا لا أصدق انها ليست من صنع نحات ماهر تمكن من اللعب الفني بهذا الشكل .. ولأني مثلا اعرف الأهرامات فى مصر ، وانها من العجائب ، فإن في سلطنة عمان مشاهد مختلفة لم يمسسها انسان، ولدت مع الارض واستمرت جمالا عبر التاريخ لايضاهيه اي جمال.
وصلت الى الاستراحة وكان الليل قد دخل ، وفى صباح اليوم التالي ذهبت الى مدرسة ضلكوت بنين واستلمت العمل ، وكان لحسن الاستقبال والضيافة انطباع طيب نقش على صدرى ، وأخص بالذكر مدير المدرسة ( سعيد العامري ) والأخصائي الاجتماعي ( مسلم العمري )
عندما أتحدث عن سلطنة عمان التى رأيتها وعشت بها، وأشهد الله العلى العظيم أننى صادق القول ، وعشت هذه التجارب أنا وعائلتي .
الأمن والأمان نعمة عظمى من نعم الله المنان، ومن ميزات سلطنة عمان، فالإنسان يبحث عن الأمن والأمان دائما في شتى أنحاء العام، وأهل السلطنة من المواطنين والمقيمين بحمد الله تعالى يستفيدون من هذه النعمة ليلا ونهارا. أهل عمان أهل المحبة والاحترام، أهل التآلف والتسامح والإكرام، كأنهم يرددون دائما من لم يرحم صغيرنا ولم يوقر كبيرنا فليس منا، سمعت وقرأت وأمنت بعلم اليقين أن بعد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة صار الصحابة رضوان الله عليهم كالإخوة الأشقاء,,,,,,, ولكننى والله رأيت بعين اليقين مثل تلك الأخوة والمحبة في السلطنة، لا يحتقر شخص شخصاً بسبب النسب والقبيلة والوطنية وغيرها من الأسباب، فلهذا لم تشهد السلطنة أي نزاعات قبلية، مذهبية، طائفية منذ تولى صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله مقاليد حكم البلاد .
المواطن لا يتطاول على الوافد بسبب أنه وطني وله حق أن يتطاول ويقول أنا وطني عماني والوافد لا يخاف ولا يهتز جسمه بسبب أنه أجنبي أو غير عماني، بل كلهم يأخذون ويطلبون ويؤدون حقوقهم للآخر، وكلهم يقفون في طابور واحد، ويحترمون بعضهم بعضا.
لا ريب ولا شك أن السلطنة دولة عربية عريقة أصيلة، أهلها عرب ولغتها عربية، لهم عادات وتقاليد ومنهج عربي إسلامي ولكنهم لا يفرقون بين العربي والأعجمي بل يحبون كل إنسان ويريدون الخير لكافة الناس جميعا وهم يعرفون بأخلاقهم الرفيعة ومعاملاتهم الطيبة يعطون كل ذي حق حقه، سواء يكون عربيا أو أعجمياً، وأي زائر لا يرجع إلى بلاده إلا ويتأثر بأخلاق أهل عمان.
يفتخر كل مقيم على أرض عمان بإنسانها الطيب المستقر الهاديء والمتزن، ولذلك من الصعب ان ترى اشكالا بين الناس فيها، او تسمع كلاما خارج التهذيب البشري. عمان اذن مرآة للصفاء الانساني في اروع صوره، غرست فيها النهضة المباركة كل الحقائق الموضوعية التي يعيشها انسانها، وهي على تطور وتطوير دائم لأن لدى انسانها الاستعداد الثابت بأن لا يجف عرقه قبل ان يصنع منها لؤلؤة الدنيا.
حفظ الله عمان وشعبها وسلطانها وقائدها
وكل عام وأنتم بخير